بحـث
المواضيع الأخيرة
القصة القصيرة في المنهاج الفلسطينيّ
صفحة 1 من اصل 1
القصة القصيرة في المنهاج الفلسطينيّ
القصة القصيرة في المنهاج الفلسطينيّ
كُتب الـمطالعة والنصوص للـمرحلة الأساسية العليا أنموذجاً
الأيام الالكترونية
05 تشرين الأول 2004
زكي العيلة*
القصة القصيرة فن إنساني تطورت أشكاله وأغراضه بصورة جعلته يتجاوز البنى والأساليب الـمعهودة الـمتعارف عليها، بحيث اقتربت القصة الحديثة أكثر فأكثر من لغة البوح الشعري والحوار الـمسرحي معتمدة التكثيف والتقطير والشفافية والأصوات الـمتعددة، فإذا كانت الرواية بتشعـباتها وتفاصيلها الـمتعددة تجعل ولوجها أمراً شائكاً، فإن القصة القصيرة في سعيها لالتقاط جزيئات الحياة اغتراف اللحظة النفسية الـمناسبة وإعادة تشكيل ذلك كله ضمن رؤية جديدة تبدو أكثر صعوبة، بحيث تجاوزت رؤية القاص همومه الـمرحلية إلى رؤى أكثر عمقاً.
في مقدمة كتاب (لغتنا الجميلة) للصف السابع الأساسي ورد ما نصه: "وقد حرصنا في اختيارنا للنصوص الأدبية ــ مقالات، قصص، قصائد شعرية ــ في مختلف وحدات الكتاب على إيراد نماذج أدبية رفيعة الـمستوى لأدباء وكتاب ومفكرين فلسطينيين وعرب وأجانب من كلا الجنسين".
هذا الحرص من العاملين في مركز الـمناهج الفلسطينية على اختيار نصوص قصصية فلسطينية وعربية وإنسانية يقتضي استقصاء ما يلي:
1- كيفية تعامل الكتاب الـمدرسي ــ الـمطالعة والنصوص بجزأيه ــ لصفوف الـمرحلة الأساسية العليا السابع، الثامن، التاسع، مع القصة القصيرة كفن يحمل خصائص متجددة متطورة.
2- الآلية التي وظف فيها الكتاب الـمدرسي، موضع البحث، الـمشهد القصصي الفلسطيني الـمعاصر.
لو استعرضنا القصص الواردة في كتاب الـمطالعة والنصوص بجزأيه للـمرحلة الأساسية العليا، تلك القصص التي بُنيت على نظام الوحـدة الدراسية، واحتشدت لأجل معالجتها العناصر التالية: "جو النص، الـمعجم والدلالة، الفهم والاستيعاب، التحليل، التدريب اللغوي، التعبير أو التلخيص" سيطالعنا كم قليل من النصوص القصصية قياساً بالنصوص التراثية ما يجعلنا نستبعد النصوص التالية التي لا يمكن إخضاعها لشروط القصة القصيرة الحديثة:
أولاً: مجموعة الحكايات والطرائف التي خُتم بها كل درس تحت لافتة "أقرأُ وأستمتعُ "بهدف القراءة الذاتية حيث يبلغ عددها ستة وعشرين نصاً في كتاب الصف التاسع بجزأيه و ثمانية عشر نصاً في كتاب الصف الثامن بجزأيه، ومعظم هذه النصوص منتزع من الكتب التراثية خاصة "من قصص العرب" و"الـمستطرف في كل فن مستظرف" و"الـمنتخب من أدب العرب" حيث يحتفي خطاب تلك النصوص بتكريس مبادئ الفصاحة والبلاغة، وأغلبها مستهلك لا يفتح آفاق التخيل ولا يلامس الهم اليومي الحياتي، وهنا يلفت الانتباه نصان انضويا تحت تلك اللافتة :
1- قصة العصفور والسلك للأديب الـمصري د. يوسف إدريس (التاسع :ج 2، ص86) وهذه القصة باعتمادها لغة الإيحاء والتكثيف والظلال الـمتدرجة والرموز الدالة تتخطى في مبناها ودلالاتها كثيراً من النصوص القصصية التي أُقرت ضمن نظام الوحدة الدراسية في الكتاب بحيث كان من الأجدى عدم تكبيلها بالقراءة الذاتية فقط.
2- فقرة منتزعة بتصرف من رواية نجوم أريحا للكاتبة (ليانا بدر) بعنوان (أريحا : أين هي الآن) (الثامن : 1) وهذه الفقرة لا يُعتد بها في مجال الاستشهاد بفن القصة القصيرة.
ثانياً: النصان التراثيان: ـ
ـ (الحمامة الـمطوقة) الـمقتبس من كتاب كليلة ودمنة (السابع :ج1).
ـ (عبد الله البري و عبد الله البحري) الـمنتزع من كتاب ألف ليلة و ليلة (الثامن ج1) لـمجافاة هذين النصين لخصائص القصة الحديثة الـمحملة بالرؤى الجديدة.
ثالثاً : السيرتان الذاتيتان اللتان نشرتا قبلاً لكاتبين قصصيين والنصان هما:
1- نص (ذاكرة مكان) للأديبة ليانا بدر (الثامن ج1) حيث تستحضر من خلاله ذكريات طفولتها و تنقلها مع والديها من مكان لآخر راسمة صورتين لأريحا قبل الاحتلال الإسرائيلي وبعده، وقد نشر هذا النص في مجلة الكرمل الفلسطينية العام 1998.
2- نص (مرارة البطالة) للكاتب حنا إبراهيم (الثامن ج2) أحد كتاب القصة القصيرة في الأرض الـمحتلة منذ العام 1948 والنص يرصد معاناة الكاتب في بدايات حياته زمن الانتداب البريطاني من خلال سيرته الذاتية الـمنشورة في كتاب (ذكريات شاب لـم يتغرب) العام 1988.
رابعاً: الـمقامة البغدادية (الثامن ج2) والـمقامة فن أدبي نشأ في القرن الرابع هجري وقد ساهم في ترسيخه بديع الزمان الهمذاني ومع أن الـمقامة تستخدم الأسلوب القصصي إلا أن غرضها لـم يكن جمال القصص وإنما تجميع شوارد اللغة ونوادر التركيب في قطعة أدبية فنية بأسلوب مسجوع، ويُلاحَظ على الـمقامة البغدادية التي اختارها الكتاب الـمدرسي أنها تحتفي بالخداع ولا ترى فيه إلا نوعاً من البراعة كما فعل بطلها عيسى بن هشام مع ضحيته، إضافة إلى احتفائها بالألقاب والصفات الذميمة الـمتبادلة بين النموذجين.
بعد هذا الكم من النصوص الـمستبعدة تتبقى ضمن نظام الوحدة الدراسية الـمستهدفة القصص العربية والـمترجمة التالية:
1- (رجال في الشمس) تلخيص لرواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (السابع ج1).
2 - (دون كيشوت) اختزال لرواية الكاتب الإسباني ميجل دي سرفانتس (السابع ج2).
3 - (بائعة الكبريت) للكاتب الدنماركي هانس كريستان أندرسن ـ بتصرف ـ (السابع ج2).
4 - (زائر الـمساء) للكاتب الفلسطيني الـمقيم في الأردن خليل السواحري (الثامن ج1).
5- (أسرة فقيرة) للكاتب الإيطالي جوزيف سيزار اّبا (الثامن ج1)
6 - (الحلـم) نص مستل بتصرف من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية الـمقيمة في باريس ياسمين زهران (الثامن ج2).
7 - (عطر من الـماضي) للكاتب الأردني يوسف الغزو (التاسع ج1).
8 - (الدرس القاسي) للأديب الروسي أنطون تشيكوف (التاسع ج1) .
9 - (باب الـمدينة) للكاتب الـمصري محمد يوسف القعيد (التاسع ج2).
بحيث يمكن حصر القصص ــ مجتمع البحث ــ ضمن الـمحاور التالية:
ـ القصص العالـمية الـمترجمة.
ـ القصص العربية.
ـ القصص الفلسطينية.
أولاً : القصص العالـمية:
1 - (دون كيشوت) (السابع ج2):
لقد أثر البتر والتصرف الـمتعسف على النص الـمترجم الـمستل من رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني (ميجل دي سرفانتس)، فبدا السياق مشوشاً مفككاً منقطعاً غير مترابط منذ اللحظة الأولى و كأنه مبني على اللاشيء، حيث يفتتح الدرس هكذا:
"وبعد أن يحدث هذا وأصبح أنا وتصبح زوجتي آن غيتير ملكة"
دون كيشوت: "ومن الذي يشك في ذلك ؟"
سانشو : "أنا ! .. أنا أشك، لأنني أعرف زوجتي تمام الـمعرفة ! ..... "
بحيث يصعب على الدارس أن يعرف من هو دون كيشوت هذا ومن هي غيتير أو سانشو، بل من هي (دولسينا) التي استجار باسمها و هو يصارع مراوح الهواء و ما الذي يريدونه؟ ولـماذا؟ فالشخصيات ناجزة و الأحداث مشوشة تطأ الذهن دون أي تمهيد وكان من الأجدى لو اشتمل النص على إضاءات أو أنشطة تتابع النص الروائي و توضح مساراته وصولاً إلى لحظة الدخول في الصفحات الـمجتزئة من النص ، فدون كيشوت بطل تباينت في الحكم عليه الأقلام، حيث اعتبر البعض أن بطولاته كانت زائفة فيما أنصفه آخرون، حيث إنه خاض الـمعارك و نازل طواحين الهواء لإرضاء سيدة الجمال (دولسينا) تلك الـمرأة التي اخترعها و حارب في سبيلها رغبة في إعلاء القيم.
وبمناسبة الحديث عن القصص الـمترجمة في الكتب الـمدرسية ــ موضع البحث ــ يبرز تساؤل مشروع عن السبب في عدم إدراج أية نبذة من سير الأدباء الـمترجم لهم وهم الدنماركي (هانس كريستيان أندرسون 1805-1875) والإسباني (ميجل دي سرفانتس 1547-1616) والإيطالي (جوزيف سيزار آبا) رغم أن هناك إضاءات كاملة تناولت سير الأدباء العرب الآخرين.
2 - (بائعة الكبريت) (السابع ج2) : للكاتب الدنماركي (هانس كريستيان أندرسن) (بتصرف). تحكي قصة طفلة يتيمة الأم، لا تجرؤ على العودة إلى البيت لأنها لـم تبع سوى علبة كبريت، لتفترش زاوية بين بيتين ، محاولة أن تصد البرد الشديد والثلج الـمتساقط بإشعال عيدان الثقاب ورغم ما عانته من ظلـم تفارق الحياة والابتسامة تطوق شفتيها الباردتين، فها هي جدتها الحنون قادمة لتحملها عالياً حيث لا جوع و لا برد ولا عناء.
3- (أسرة فقيرة) (الثامن ج1) : للكاتب الإيطالي (جوزيف سيزار آبا). تطالعنا من خلال القصة أسرة كادحة لا تحصل على قوت يومها إلا بصعوبة بالغة، لكنها تحتضن طفلين يتيمين فقدا أمهما.
4 - (الدرس القاسي) (التاسع ج1): للأديب الروسي أنطون تشيكوف.(1860 - 1904).
يعرض الكاتب قصة خادمة مستكينة عاجزة ترضى بالقهر وتتلقاه صاغرة، ولا تملك إلا الدمع و تقبل بما يُلقى إليها من فتات حتى على حساب كدها وشقائها وكأن الكاتب يريد أن يقول إن الدنيا لا تأتي بالإذعان و لكنها تؤخذ غلابا .
ولعل ذلك يعزز القناعة لدى الـمتعلـم برفض مثل هذا النموذج النسوي العاجز الـمستلب الـمرأة (يوليا)، وهذا يتطلب إبراز نماذج نسوية فاعلة، مكافحة، قادرة على بناء ذاتها من خلال قصص الكتاب الـمدرسي.
ثانياً: القصص العربية:
1 - (عطر من الـماضي) (التاسع ج1) : تطرح القصة لكاتبها الأردني يوسف الغزو قضية التمسك بالأرض عبر بطلها سالـم العائد إلى قريته مع زوجته و أطفاله بعد غياب امتد عشرة أعوام ، بهدف إقناع والده كمحاولة أخيرة بفكرة بيع منزله القديم لاستثمار ثمنه في مشروع نافع ، و رغم أن القرية ليست بعيدة عن مكان عمله في الـمدينة بدليلين ، الأول : أن أباه قد زاره أكثر من مرة في الـمدينة، والثاني: عودته إلى القرية بسيارته، ما يدلل على أن ما ساقه من تبريرات بغرض تسويق وتمرير فترة غيابه لا يتفق مع الـمنطق ، فتارة نجده يجنح إلى الاحتماء بمشاغل الـمدينة، وتارة يعلق غيابه على مشجب زواجه من فتاة في الـمدينة، وكأن مثل هذا النوع من الزيجات يفترض فيه أن يكون محبطاً مضاداً للـمألوف.
في الخاتمة يأتي التنامي في تحول سالـم سريعاً على عكس قناعاته التي امتدت عشر سنوات، حين يعلن أمام زوجته و أطفاله رفضه بيع مسكن القرية (مستودع ذكريات الطفولة والصبا) حالـما يصل إليه حتى لو وافق أبوه على ذلك ، ما يجعلنا لا نتقبل بسهولة هذا التحول الـمفاجئ غير الـمبني على تراكمات.
2 - ( باب الـمدينة) (التاسع ج2) : للكاتب الـمصري محمد يوسف القعيد.
تطرح القصة بلغة مشحونة بالبساطة والعمق واقع القهر و القمع و الاستبداد الذي يعيشه الإنسان العربي الذي يحلـم بأفضلية التغيير، كما أنها تتعرض لقضية العلاقة بين القرية و الـمدينة ، عبر رموز تشي بالكثير من الإشعاعات والدلالات من خلال وقفة أمٍ تحمل بين يديها طفل رضيع على باب الـمدينة التي غيّبت سجونها وبواباتها زوجها، ومن تلك الرموز:
- فضاء الـمدينة محاط بسور يتوسطه باب يبدأ من الأرض ولا ينتهي إلا في السماء، ويسد عين الشمس.
- فضاء القرية يمتد إلى أبعد نقطة عند حافة الأفق لينام في حضن السماء.
- النباتات الشيطانية التي تملأ أرض الـمدينة تقابلها الأغصان الطرية التي تملأ القرية.
- الزهرة البيضاء التي نبتت في الأرض لتتحدى العفونة و النتانة و مراكز التفتيش.
- الـمرأة التي تفتش عن زوجها القابع في سجون الـمدينة محتفظة بطهرها وبراءتها وخصبها في صورة لبن صدرها البكر النظيف.
- الطفل رمز الـمستقبل الحالـم بالدفء والأمان و مستقبل الأيام القادمة رغم رياح الأحزان وسجون العسكر.
ولعل خاتمة القصة (وقفت الأم تحمل الطفل، كانا ينتظران) توكيد على عدم الانكسار، ويمكن القول هنا أن هذه القصة تقترب أكثر من غيرها من بنية القصة الحديثة، حيث لغتها الغنية بالإيحاءات والصور والألوان التي تسهم في إبراز قبح الواقع و تشف عن رؤى جديدة.
ثالثاً: القصص الفلسطينية:
1- (رجال في الشمس) للأديب غسان كنفاني (السابع ج1) :
القصة اختزال وتوليد قيصري وتكبيل لرواية متكاملة عبر خمس صفحات احتلت الكتاب الـمدرسي ، حيث تحولت هذه الرواية ـ التي تشكل إحدى العلامات الإبداعية الفنية الـمضيئة في تاريخ الأدب الفلسطيني ـ إلى نص مشوه الـملامح منغلق يصعب التعرف من خلاله على كُنه العمل الفني الأصلي بأحداثه وشخوصه، و قد كان من الأجدى اعتماد قصة قصيرة لذلك الكاتب الفذ وما أكثرها أو إقرار النص الروائي كاملاً دون تلخيص أو بتر كنشاط مرافق لكتاب الـمطالعة و النصوص.
2- (الحلـم) (الثامن ج2) :
نص مجتزأ من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية الـمقيمة في باريس ياسمين زهران ، حيث تؤكد الرواية التي نشرتها الكاتبة في بدايات التسعينيات من القرن الفائت على حلـم العودة إلى قرية شِعَب الله - أرض الصبا الـمصادرة منذ العام 1948- عبر الاتكاء على مخطوطة ضائعة تعثر عليها الكاتبة في خرائب بيتها القديم ، بحيث يمكن اعتبار الـمخطوطة نوعاً من استعادة الزمن الـمتوهج واسترجاع أيامه الضائعة، وهنا تتحول الـمخطوطة إلى ذاكرة تاريخية تنهض فلسطين بكل عناوينها و جغرافيتها من بين صفحاتها، ولعل النص الـمنتزع من مقدمة الرواية بعنوان (الحلـم) كنص مدرسي لا يشي بشيء يمكن أن يضيء النص الروائي الأصلي الـمستبعد وإن بدت اللغة هنا مليئة بالتوتر الإنساني الـمعبر عن أوجاع الشخصية.
3 - (زائر الـمساء) (الثامن ج1) للكاتب الفلسطيني الـمقيم بالأردن خليل السواحري ولعل هذا النص يشكل النموذج القصصي الفلسطيني الوحيد في كُتب الـمطالعة و النصوص للـمرحلة الأساسية العليا.
من خلال أحداث القصة نتتبع لقاء الراوي بأبي صالح في فندق دمشقي إثر موعد مسبق حدده أبو صالح عبر الرسالة التي سلـمها لـموظف الفندق، حيث يتذكر الراوي بعد محاولات تفكير مضنية أن الرجل الـماثل أمامه هو والد صالح الورداني أحد تلاميذه النجباء في الـمدرسة الرشيدية الـمقدسية وأنه عندما التقى به في عمّان بعد ثلاث سنوات من نزوح 1967 أخبره و هو يرتدي ملابس الفدائيين أن صالحاً قد قُتل في أول أيام الحرب في شارع صلاح الدين، وهاهو الآن يجلس أمامه بعد مرور عشر سنوات على لقائهما الأخير ليخبره أن عائلته لا تزال تعيش في عمّان، وأنه يواجه الـموت في كل لحظة في الجنوب وأن الشباب من أمثال صالح يسقطون كل يوم على أرض الجنوب فلا وقت للحزن ما دام الوطن هو الـماضي والحاضر والـمستقبل.
القصة في مجملها محاكاة للواقع عبر تفاصيل مفعمة بالحشو والإطالة الزائدة التي لا تشف عن دلالات جديدة بحيث يمكن حذف أكثر من نصفها دون أن يشكل ذلك أية جناية على بنيتها الفنية ، فالفترة الزمنية الـمحصورة بين مرحلة تسلـم الراوي من موظف الفندق رسالة أبي صالح و مرحلة لقائه به، تلك الفترة استهلكت أكثر من صفحتين لـم تنجح تقنية السارد الذاتي التي لجأ إليها القاص في تطوير الحدث أو إضاءته، بحيث يمكن استبعاد الصفحتين (40 ، 41) بكل اطمئنان وصولاً إلى الفقرة الثالثة من الصفحة التالية لهما لتبدأ القصة من عبارة : " في تمام الساعة السابعة كان رجل نحيف........." (ص42).
إضافة إلى الحشو والاسترسال يمكن تلـمس روح الوعظ والخطابية التي تفوح في النص، كما في الـمقتبس التالي من حديث أبي صالح رداً على الراوي: "أهكذا هي حياتكم ؟ يا للعجب ! نحن في الجنوب نواجه الـموت في كل لحظة، ولكننا مع ذلك نحيا حياتنا، حاضرنا كله امتلاء وعطاء، والـمستقبل لا يشغلنا كثيراً ولا نعبأ به لأننا على يقين بأن ما نفعله هو الذي سيصنع الـمستقبل".
من هنا يمكن القول إن هذا النص ـ الذي لا يعتبر أجود إبداعات كاتبه ـ لا يستجيب للغرض الذي اُختيرت النصوص من أجله "تحقيقاً لرغبة الـمتعلـمين في مواكبة العصر وولوج عالـم الحداثة والانفتاح على الآخرين .... والإحساس بالكلـمات الـموحية، واستشعار دلالاتها ومكامن الجمال الذي تشي به ظلالها وإشعاعاتها" بحسب مقدمة كتاب الـمطالعة والنصوص للصف التاسع.
ويلاحَظ هنا في مجال تتبع القصص الفلسطينية التي بنيت على نظام الوحدة الدراسية أن الطبعة الثانية لكتاب الـمطالعة والنصوص للصف الثامن ج2 للعام الدراسي 2003/2004 قد شهدت استبعاداً للنص القصصي (الطريق إلى طبرية) بعد عام من إقراره وتدريسه، و هذا النص هو الفصل الرابع الـمنتزع بتصرف من رواية الأديب يحيى يخلف (بحيرة وراء الريح) الـمنشورة في بيروت 1980، و الرواية تدور حول الواقع الذي أدى إلى احتلال مدينة طبرية حيث تؤكد الصفحات الـمنتزعة ـ التي حُذفت لاحقاً ـ أن الـمستعمرات اليهودية هي مصدر الخطر الدائم الذي يهدد حياة الإنسان الفلسطيني، فضباع الغابة التي أرّقت نوم حامد وعبد الكريم وهما متجهان إلى مدينتهم طبرية ليست أقسى من الوحوش البشرية التي استولت على الأرض الفلسطينية.
ويمكن القول هنا إن إلغاء هذا النص مرجعه ضرورات مختلفة ليست لها علاقة بقضية اجتزاء فصل من سياق رواية.
ملاحظات وتوصيات:
بعد استعراض القصص الواردة في كتاب الـمطالعة و النصوص بجزأيه لصفوف الـمرحلة الأساسية العليا (السابع والثامن والتاسع) يُلاحَظ ما يلي:
1- غياب الـمشهد الحقيقي للقصة القصيرة الفلسطينية من الكتاب الـمدرسي الفلسطيني ــ مجتمع البحث.
2- ابتعاد النصوص القصصية التي اختارها الِكتاب عن أساسيات الفن القصصي الحديث الذي يعتمد الإيحاء و التكثيف و الرموز الدالة الـمناقضة للحشو و الاسترسال والخطابية عدا نموذجين أُحيل أحدهما (قصة العصفور والسلك) لزاوية القراءة الذاتية (أقرأُ و أستمتعُ) رغم أن هذه القصة تشكل حالة تجاوزت القصص التي تنعّمت بوحدة دراسية كاملة.
3- غياب قضايانا الـمصيرية وهمومنا الحياتية (الهوية الفلسطينية ـ بناء الإنسان الفلسطيني ـ الاحتلال ـ الـمقاومة) من أجندة مضامين النماذج القصصية الفلسطينية الـمنتقاة.
4- تغييب الإبداعات القصصية للأقلام التي شقت درب الكتابة الوعر متجاوزة مراحل القهر وقوائم الـممنوعات و الـمحظورات التي سادت الضفة الغربية و قطاع غزة بعد احتلال 1967، فلـم يتسع الكتاب ـ موضع الدراسة ـ لأي منها سواء في نصوص الوحدة الدراسية أو في نصوص القراءة الذاتية.
5- انتقاء كتاب الـمطالعة و النصوص ـ الـمستهدف بالدراسة ـ نماذج لأسماء قصصية لأسباب لا تتعلق بحجم الإبداع أو نوعه، كما أنها لا تتعلق بمقولة "رفيعة الـمستوى" التي تبنتها مقدمة كتاب الصف السابع.
6- ضآلة الكم الـممنوح للقصة القصيرة في الكتاب الـمدرسي ـ موضع البحث ـ قياساً بالحكايات والطرائف التراثية البعيدة في معظمها عن الهم اليومي.
7- الأعمال القصصية العالـمية الـمترجمة التي ضمها الكتاب الـمستهدف بالدراسة مكررة مستهلكة وكلها تنتمي للثقافة الأوربية ـ إسبانيا، الدنمارك، روسيا ، إيطاليا ـ ما يتطلب البحث عن نصوص أكثر معاصرة من جهة، ممثلة لشعوب وحضارات متباينة متعددة من جهة أخرى.
8- التعامل مع الروايات بطريقة متعسفة (بتراً، تقليماً ، ضغطاً) لتتناسب مع حجم الدرس بما يشكله ذلك من تشويه يدفع باتجاه الـمطالبة بإقرار نصوص روائية، أو نصوص لـمجموعة قصصية فلسطينية مشتركة كنشاط مرافق لكتاب الـمطالعة و النصوص دون اجتزاء أو حذف.
* قاص وباحث مقيم في غزة.
الـمصـادر:
(وهي الكتب الـمقررة التي ُبني عليها البحث)
1- محمد جواد النوري و آخرون ، لغتنا الجميلة ، الصف السابع ، ج1، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله 2001م.
2- محمد جواد النوري وآخرون، لغتنا الجميلة، الصف السابع، ج2، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله 2002م.
3- عبد اللطيف البرغوثي وآخرون، الـمطالعة والنصوص، الصف الثامن، ج1، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله، 2002م.
4- عبد اللطيف البرغوثي وآخرون، الـمطالعة والنصوص، الصف الثامن، ج1، ط2، وزارة التربية والتعليم، رام الله، 2003م.
5- عبد اللطيف البرغوثي وآخرون، الـمطالعة والنصوص، الصف الثامن، ج2، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله، 2003م.
6 - حسن عبد الرحمن السلوادي وآخرون، الـمطالعة و النصوص ، الصف التاسع، ج1، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله، 2003م.
7- حسن عبد الرحمن السلوادي وآخرون، الـمطالعة والنصوص، الصف التاسع، ج2، ط1، وزارة التربية والتعليم، رام الله، 2004 م0
ميّ عمرو- عدد المساهمات : 84
تاريخ التسجيل : 05/04/2012
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أبريل 18, 2019 4:36 pm من طرف شاكر العقيلي
» High road
الخميس فبراير 15, 2018 1:02 am من طرف شاكر العقيلي
» تجربة مسلية
الأحد أكتوبر 22, 2017 6:02 pm من طرف ليالي النمورة
» من سيربح المليون - الصيغ الكيميائية
السبت سبتمبر 16, 2017 2:09 am من طرف شاكر العقيلي
» تصورات الفلاسفة والعلماء عن المادة
الثلاثاء أغسطس 29, 2017 1:17 pm من طرف شاكر العقيلي
» الضباب
الأربعاء مارس 29, 2017 7:49 pm من طرف الياس نمورة
» غلاف الارض
السبت مارس 25, 2017 1:58 am من طرف محمد رافت
» الغلاف الجوي
الخميس مارس 16, 2017 5:06 pm من طرف الياس نمورة
» الحركة الموجية ، أنواع الموجات
الثلاثاء مارس 14, 2017 8:22 pm من طرف اليمامة زير
» أفكار للمعرض العلمي
الثلاثاء مارس 14, 2017 12:53 am من طرف لمى بسام العقيلي
» التوزيع الالكتروني
الجمعة مارس 10, 2017 3:52 pm من طرف شاكر العقيلي
» لعبة العناصر
الجمعة مارس 10, 2017 3:45 pm من طرف شاكر العقيلي